وكالة بدر نيوز
٢٣ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ | 26 Dec 2024
الإمَام الكاظم عليْه السَّلَام ( ثُنائِيَّة المقاومة والتَّبْيين )
893 0 2024-02-05


يَنبَغِي حِين الخوْض فِي السِّيرة اَلعطِرة لِلْأمَام السَّابع مِن أَئمَّة أَهْل البيْتِ عَليهِم السَّلَام الإمَام مُوسَى بْن جَعفَر الكاظم اَلوُقوف عِنْد مَحطَّة مُهمَّة مِن مَحَطات حَياتِه الشَّريفة ، وَلأَن النَّهْج هُو ذَاتُه لَدى جميع اَلأئِمة الأطْهار ، لَكِن هُنَاك خُصوصيَّات زَمانِية ومكانيَّة تَفرِض عَليهِم السَّلَام بَيَان عِلْمهم وتبْيَان مَوقفِهم وَهُو مَا يَفهَم مِنْه ترْكيزهم عليْه لِترْبِية اَلأُمة فِي زَمانِهم واسْتكْمال المواقف لِتكوُّن لِسيرتهم وسلوكيَّاتهم تِلْك الوحْدة الموْضوعيَّة اَلتِي تُمثِّل الأدْوار المفْترضة اَلتِي تُوجب على المتأسِّين اِتِّباعهَا فِي زمن الابْتلاءات وَالفِتن ، فلَا تُعَارِض سُلوكيَّات إِنَّما تَعدُّد أَدوَار تَفرِضه طَبِيعَة وَظرُوف الفتْرة الزَّمنيَّة اَلتِي عَاشُوها والْموْقف مِن كُلِّ مَا واجهَهم مُنْفردين.

ولأجْل تَسلِيط الضَّوْء أَكثَر على مَا نَحْن بِصدده مِن مُقَاومَة ومواجهة مع الطَّواغيتِ يُمْكننَا تَقسِيم حَيَاة الإمَام الكاظم عليْه السَّلَام إِلى مَراحِل ثَلَاث وَعلَى النَّحْو التَّالي :

المرْحلة اَلأُولى ، وَالتِي كَانَت فِي ظِلِّ أبيه الإمَام الصَّادق عليْه السَّلَام وتبْدأ مِن تَارِيخ وِلادَته سنة 129 لِلْهجْرة وَحتَّى شَهادَة أبيه سنة 148 لِلْهجْرة وَهذِه المرْحلة شَهدَت نشْأته وَنبُوغه اَلعلْمِي وتنقُّل كُتُب السِّيرة عن اَلكثِير مِن المناظرات العلْميَّة مع مِن يعْتبرون أَئمَّة المذاهب اَلأُخرى وَلعَغ أشْهرهَا مُناظرته مع أَبِي حَنِيفَة وَهُو صَبِي لَم يَتَجاوَز الخامسة مِن عُمْرِه اَلشرِيف.

المرْحلة الثَّانية ، وَهِي مَرْحَلة إِمامَته لِلْمسْلمين بَعْد اِسْتشْهاد أبيه وَالتِي اِتسمَت بِمحاولات العبَّاسيِّين تَوطِيد حُكْمِهم الغاشم وسلْطتهم حَتَّى اِضْطرَّ الإمَام الصَّادق عليْه السَّلَام لِأن يجْعله واحدًا مِن بَيْن خَمسَة مِن أوْصيائه فِي وَصيتِه المعْروفة اَلتِي أَفشَل فِيهَا سَعْي المنْصور لِاغْتيال وَصِي الإمَام الصَّادق عليْه السَّلَام وقد اِسْتمَرَّتْ هَذِه المرْحلة لِحواليْ عِشْرين سنة عَشرَة مِنهَا لِحين هَلَاك الحاكم العبَّاسيِّ المنْصور سنة 158 هِجْريَّة تَلتهَا عشر سَنَوات أُخرَى هِي فَترَة حُكْم اَلمهْدِي والْهادي سِنُّه ( 169 هِجْريَّة وَالتِي اِتسمَت فَترَة حُكْمهِمَا بِانْفراج نِسْبِي وَهدُوء سِياسيٍّ .

أَمَّا المرْحلة الثَّالثة ، فكانتْ مَرْحَلة حُكْم الطَّاغية هَارُون اَلرشِيد اَلذِي حكم سنة 170 لِلْهجْرة وقد اِسْتمَرَّتْ المرْحلة لِسَنة 183 هِجْريَّة حَتَّى اِسْتشْهاد الإمَام الكاظم عليْه السَّلَام وتعْتَبر هَذِه المرْحلة مِن أشدِّ مَراحِل حَيَاة الإمَام الكاظم عليْه السَّلَام اَلذِي وَاجَه أَسالِيب السُّلْطة العبَّاسيَّة الغاشمة اَلتِي زَجَّت بِه فِي سُجونِهَا ومعْتقلاتهَا لِانْتزاع الشَّرْعيَّة فِي اَلحُكم والاسْتيلاء على مُقدرَات اَلأُمة ، وَالتِي أَظهَر فِيهَا الإمَام الكاظم عليْه السَّلَام واتِّباعه ومناصريه مُقَاومَة كَبِيرَة ، أَدَّت فِي النِّهاية لِاغْتياله . وَلعَل النَّشَاط اَلذِي أَظهَره الإمَام عليْه السَّلَام ضِدَّ اَلحُكم العبَّاسيِّ وأدواته ، لَم يَكُن عاديًّا ، وَقَاد اَلأُمة لِلتَّحْضير لِثوْرَات مُتَعددَة مُنَاصرَة لِلْعلويِّين وبالرَّغْم مِن عدم الشُّروع بِالْعَمل اَلثوْرِي ضِد هَارُون اَلرشِيد ، أَلَّا إِن اَلأخِير كان مُدْرِكا أنَّ حُكمَه وسلْطانه لَن يَستَمِر بِوجود العقْل اَلمُدبر ، فكانتْ عمليَّات سِجْنِه وتعْذيبه واقْتياده كَرَهينَة وإطْلَاق سَراحِه مَرَّات عِدَّة ثُمَّ اِعْتقاله مُجَددا تكْتيكًا عَباسِيا لِامْتصاص الغضب اَلشعْبِي ، وبالرَّغْم مِن حَراجَة الظَّرْف وَتشدِيد القبْضة على العلويِّين إِلَّا أنَّ الإمَام عليْه السَّلَام ، قَاوَم تِلْك السِّياسة بِكلِّ مَا أُؤْتِي مِن قُوَّة ، رافضًا مُساومات السُّلْطة وَوَساطَة المقرَّبين مِن البلَاط العبَّاسيِّ ، وانْتَهتْ هَذِه المرْحلة بِالْتحاقه بِرَبه مَسمُوما شهيدًا عليْه السَّلَام .

وَلأَن تِلْك المرْحلة لَم تَكُن تَتَحمَّل أيَّ مُسَاومَة مِن أيِّ نَوْع فقد عمد الإمَام إِلى تَبيَّن الحقيقة عَبْر ثِقاته إِلى اِبْنِه وَخلَفِه الإمَام عَلِي الرِّضَا عليْه السَّلَام بَعْد ضَمَان سَلامَة النَّهْج والْحفاظ على وَحدَة اَلأُمة وَبَيان اِنحِطاط اَلرشِيد وجلَّاوزْته ، لِيفارق الدُّنْيَا وَهُو أُمَّة مُؤَثرا سَلامَة الدِّين رافضًا فِي الوقْتِ عَينِه اَلخُنوع والنُّزول عِنْد رَغبَة اَلحُكام وخلاعتهم مُؤَديا واجبه بِكلِّ إِخلَاص كَقائِد حَقيقِي لََا تُغْرِيه المطامع وزخارف هَذِه الدُّنْيَا الفانية .

أنَّ سِيرة الإمَام مُوسَى بْن جَعفَر الكاظم عليْه السَّلَام ومواجههْته لِأعْتى سُلطَة على الأرْض فِي زَمانِه ، وإظْهاره المقاومة مع تَبيِين اَلموْقِف مِن هَذِه السُّلْطة ومَا تَعيشُه اَلأُمة مِن تحدِّيَات فِكْريَّة جَمَّة بِانْفتاحهَا على ثقافَات وَشعُوب وحضارات شَتَّى ، كان بِحدِّ ذَاتِه تحدِّيًا ، وقد مَثَّل تصدِّيه لِلشُّبهات اَلتِي تَعرضَت لِلَا سَلَام وتقاطعتْ معه وَالتِي لَم يَكُن التَّصَدِّي لَهَا مُمْكِنا بِغياب الإمَام المتبصِّر اَلمُطلع القادر على كَشْف خفايَا وأسْرَار تِلْك الشُّبهات ومَا يُمَثله القائلون بِهَا مِن ثِقْل عِلْمِي وَحضُور فِي أَوسَاط المسْلمين ، فقد كَانُوا بَارعِين مُتمكِّنين غَيْر قَابلِين لِلْهزيمة فيظْهر هُنَا عِلْم الإمَام الكاظم عليْه السَّلَام ، وَمِن تَتلمَذ على يديْه لِيبدِّد كُلُّ تِلْك الشُّبهات ويعيد اَلأُمور إِلى نِصابِهَا ، لِيكون بِذَلك إِمامًا حقًّا لِلنَّاس ومنارًا لِلْمقاومة والتَّبْيين .

مقالات ذات صلة
تعليقات