تنتاب بعض الاوساط العراقية الكثير من المخاوف بشأن اي علاقة مستدامة مع الولايات المتحدة الامريكية ،ربما بعضها له علاقة بسلوك الاخيرة في عديد الملفات التي يجري تداولها والحديث عنها مثل الملف الامني والخدمي وحتى الاقتصادي ، وهي مخاوف مشروعة ينبغي نقاشها بشيء من الهدوء والعقلانية عبر طلب تفسيرات جادة بصددها لنصل الى الحقيقة ،ونتصرف على ضوء ما ينتج عنها لنقطع بموثوقية الجانب الامريكي وجديته من عدمها في تعاطيه مع الوضع العراقي خلال المرحلة الحالية ،والتي تعد مرحلة هامة ومفصلية، يمكننا خلالها جني العديد من المكاسب، ان تعاملنا معها بحكمة ودراية .
السيد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، تنبه لذلك بناءا على مشاوراته مع الحاضنة السياسية التي يمثلها بشكل خاص، ومع شركاء الوطن بشكل عام ، وهو يصر خلال زيارته لواشنطن بناءا على دعوة من نظيره الامريكي جو بايدن ،الذي سيلتقيه يوم الاثنين 15/ 4 / 2024 على تحقيق تقدم ملموس بهذه العلاقة ، وتحريك ما يمكن تحريكه من ملفات سياسية وعسكرية واقتصادية ،ويبدو من طبيعة الوفد المرافق له خلال هذه الزيارة وجدول اعمالها ،والجهات التي سيلتقيها ،انها بداية لعلاقة ستراتيجية يمكن للعراق استثمارها بالاتجاه الصحيح ،بعد تبديد المخاوف ومواجهة التحديات التي يمثلها عدم وجود ضوابط ومحددات لهذه العلاقة ،ولعل ذلك ابرز واهم التحديات التي يعتزم حلها والانتهاء منها.
في التفاصيل هناك محورين اساسيين ينبغي التأكيد عليهما هما :
الاول: هل نخشى وجود علاقة واضحة مع الولايات المتحدة الامريكية؟! الجواب لا ،لاننا بلد كبير ومحوري في المنطقة ،ولدينا من المقومات ما لايتوفر لدى غيرنا ،كما ان علاقاتنا ببلدان المنطقة ممتازة وراسخة واخذة في التطور، وهذه مميزات تفرض ان يكون لنا دور ومساحة اكبر في التأثير ،فضلا عن توافر الثروات الطبيعية والموقع الجغرافي ، وما يمكن ان نبرمه من شراكات يتيح لنا العودة لمكانتنا ،كبلد متحضر وفاعل سياسي واقتصادي كبيرين .
الثاني: هل نستطيع بناء نظام سياسي بقرار وطني دون مكاشفة ومصارحة وفهم ما يريده الاخرين منا؟! وهل نحن بلا ارادة لنقبل بالاشتراطات التي تحاول تكريس حالة الاقصاء والتهميش ،التي يحاولون فرضها علينا ؟! و هذا المحور بالتحديد يحتاج لنقاشات جادة وعميقة بالامكان شرحها وبيانها والاستماع فيها لوجه نظر الولايات المتحدة بهذا الصدد فأما ان نقبل او نرفض او نصل لحلول وسط ،سيما ان الطموح يسير باتجاه بناء علاقة ثنائية واضحة محددة مفهومة المعالم.
الوفد العراقي الزائر ذو توجه اقتصادي بصبغة سياسية بامتياز ،ولعل خلوه من شخصيات رفيعة تمثل الجوانب الامنية ،يعطي انطباعا عن طبيعة المهمة التي يسعى لانجازها وهي مهمة اقتصادية ،وجدول الاعمال يقول ذلك ،ويكشف عن توقيع اتفاقيات مع شركات ومؤسسات امريكية .
امر اخر ذو اهمية ايضا يسعى العراق لطرحه ،فهناك استقراءات لجهات عراقية ،خلصت لاهمية مكاشفة الجانب الامريكي بخصوصها، من قبيل عدم وجود علاقة خارج النطاق العسكري والامني وان وجدت فهي ضعيفة وشبه خاملة ،فلا ممثلين امريكيين لكبريات الشركات الامريكية في بغداد ،وغياب الزيارات الثقافية المتبادلة التي تهدف لتسويق المنجز الحضاري العراقي بعد الاطلاع عليه واقعا ،بعيدا عن النقل المشوه ،كما لا يوجد تعريف بما يعنيه العراق بعيدا عن الاجندات السياسية ولوبيات التحريض ضد المكونات العراقية، و ولم يجني العراقيبن من اميركا سواء الثقافات الواردة التي تستهدف قيم شعبنا وارثه ،حيث لم يلحظ المواطن العراقي العادي ،نظيره الامريكي يتجول في محافظة عراقية ،وكل ما استقر بذهن العراقيين هي صورة الجندي الامريكي، العدواني المرتجف الذي يشق طريقه وسط الزحام ببندقية ،ورتل عسكري مدجج بالسلاح ، وعليه فالتركيز بمعالجة جديدة مبنية على النوايا الحسنة اساس ومنطلق ،يمكن عبره ان الانطلاق بعلاقة جديدة دون املاءات ،يظهر فيها تأثيرنا كشعب وبلد عريق ، له كل هذا العمق الحضاري والثراء القيمي والمعرفي.
في الاقتصاد ايضا لدينا طريق جديدة باتت حديث اوربا وبلدان المنطقة واسيا ،ولعل الاميريكيين يدركون اهميته لكنهم يتخوفون من بعض التفاصيل ،والمقصود بذلك هو طريق التنمية، فضلا عن ملفات اخرى تحتاج للبحث ترتبط باداء الشركات الامريكية التي عملت في قطاعات الكهرباء والطاقة، كما ان هناك ملاحظات ينبغي طرحها تخص القطاع المصرفي والاموال العراقية وافاق الاستقرار الاقتصادي ،التي نأمل ابعادها مجتمعة عن تأثيرات السياسة والاعيبها، والحل الذي يريد له السيد رئيس الحكومة ان يكون دائما ومستداما ،هو ايجاد صيغة فعالة للشراكة ونظرته باختصار تنطلق من ستراتيجية هذه الشراكة، التي ستجعل من اميركا جزءا من الحلول لا المشاكل والصراعات التي تقدمها كاولويات على ملفات اخرى يرى العراقي انها الاساس الاول للتقدم والمضي بعلاقة متوازنة ، وذلك لن يتحقق دون شريك ،يخشى على مصالحه ويحرص على ارضاء شريكه متفهما مسار علاقاته داخليا وخارجيا، دون تشويه وقلب للحقائق ومحاولات للنيل ،مما انجزه الشعب العراقي السيد على ارضه في طريقه الطويل نحو ترسيخ حكمه الوطني الرشيد في بلاد الرافدين العظيمين ..