يبدو ان الزعامات العربية المنفوخة ارتضت الواقع ،وهو واقع منافقة الجمهور والسير خلف تبرير الجبن والخنوع والارتماء بحضن الراعي الاستعماري الامريكي البريطاني- الفرنسي - الصهيوني ،الذي يدعم استمرار سلطانها على حساب خير ومستقبل الاوطان والشعوب ، و يبدو ايضا ان قمة الدول العربية التي عقدت في المنامة مؤكدة لهذا النهج لا كاشفة عنه فهذا النهج ليس بجديد ولم يسجل مفاجأة تذكر بالانحياز شكلا او مضمونا لمعاناة الشعب الفلسطيني المظلوم، فحتى هذا الجزئية المتمثلة بتبني هذه القضية لم تكن شرفا يستحقه هؤلاء الكاذبين ،ولا حتى صور القتل واشلاء الاطفال المتناثرة كانت كافية لتحرك فيهم الضمير ،وتوقضهم من سبات طال امده.
في معادلات الحكم يُحترم القوي الشجاع ،ذو الهمة والصدق ،الواضح في رأيه ، ولأن الجانب الاخلاقي هام جدا ويعكس نزاهة الحاكم وتقديره للمحكومين، فقد اكدت التشريعات بمختلف منطلقاها الايدلوجية ،ضرورة ان يتمتع شخص الحاكم بالاهلية والقدرة على اتخاذ القرارات التي تحقق كرامة الشعب ، وهو ما لم يتضح في سلوكيات الحكام العرب لا قولا ولا فعلا ،فأغلبهم غير مؤمن بهذه الاخلاقيات وما يفترض ان يكون عليه الحال، ازاء قضية شعب شقيق مسلم مظلوم يجري ابادته بمرأى ومسمع منهم ،فحتى صيحات الغضب ومشاعر الاستنكار للفعل الصهيوني الاجرامي ،بات جرما تحاسب عليه قوانينهم وغالبيتهم متجه للاسف لاقرار هذا السلوك ،بل وتنظيم الحملات المناهضة لمن يطالبون بتجريم الكيان الصهيوني ،واكثر من ذلك هو توجيه الرأي العام مدفوع الثمن لشرعنة هذا الفعل الاجرامي، ودعمه وتبريره تحت عناوين و مسميات واهية اقرتها اتفاقيات التطبيع ،ومعاهدات ما يسمى بالسلام، ليصبح هؤلاء الحكام جزءا من منظومة أمن الكيان وخط الصد الاول المدافع عن سلوكياته ،التي لاتقرها شريعة او قانون .
ان البيان الختامي لقمة المنامة الذي يمثل امتدادا لبيانات سابقة وقمم عربية اقرب ما تكون للقمامة ،لا تؤكد شيئا عدا ان ما يقوم به حكام الكيان الغاصب وجيش الاحتلال مقبول ولهجة الرجاء الواضحة في ايقاف الحرب وتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني مضحكة ومخجلة لدرجة كبيرة تدفع الشعوب للاسى والاسف العميق لما وصل اليه الحال ، فحتى الخطابات النارية التي كانت تشبه ابرة التخدير اختفت ليحل محلها الخطاب الدبلوماسي الهادئ ،وكأن الاتفاقيات المذلة تقول ان بلداننا ليس لها الحق حتى باظهار شعور الغضب مما يجري ،وان غزة والاراضي المحتلة لم تعد مهمة وان امرها وامر شعبها لا داعي للحديث عنه ، وحتى مع ما يسمى بتحكيم الشرعية الدولية التي ينطلق منها محمود عباس الذي هاجم المقاومين بشراسة نلتمس ذلك التخلي المقصود ، فحين يقول ان حماس هي السبب فيما يحدث وان عليها ان لا ترمي باللائمة على الكيان الصهيوني ،نفهم جليا ان خطاب اصحاب واهل القمة يذهب لأن العقاب الجماعي مبرر ومنطقي لقبول اهالي غزة بما تفعله حماس ، وهذا من اعظم المصائب واشدها ، وعلى صعيد ذي صلة كان البيان الختامي مليئا بالوقاحة والادانات المبطنة للمقاومين ومحور المقاومة الذي عرى نهجهم الاستسلامي المتماهي مع الصهاينة ، فالقادة الاشاوس أكدوا أهمية تعزيز قيم التسامح والتعايش بين الأديان، ومكافحة ( الإرهاب) والتطرف وخطاب الكراهية والتحريض وضمان (حرية الملاحة) ، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات مع القوى الدولية والدول الصديقة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وذلك يعني ترك الصهاينة وعدم انتقادهم بل والاستمرار في الارتماء بالحضن الامريكي الداعم لحكومة الحرب الصهيونية.
لقد بات اهل القمة اكثر وقاحة مما نتوقع منهم فالتشديد على ان محمود عباس هو الممثل الشرعي والوحيد ،رغم عدم نطقه بجملة واحدة تدين الاحتلال وتصف نتنياهو بالمجرم ، مزايدة دنيئة تستهين بالدماء ،وتعكس نمط العمالة المغلف بشرعية غير متوفرة لا سياسيا ولا شعبيا ، فهل يدرك هؤلاء القوم انهم اقل شرفا واكثر صهيونية من الصهاينة انفسهم ،ولا تستبعد الشعوب ان يكون نتنياهو او ادارة مكتبه هي من اصدرت البيان وباركته ، وهو امر جائز الحصول في ظل ما شاهدنا من مواقف يتباهى فيها اصحاب الفخامة والسمو والجلالة بأنهم يتعاطفون مع الشعب ( الاسرائيلي ) في محنته بمواجهة المتطرفين ،الذين احتجزوا الشباب اليهود ،فأي قمامة اكثر من ذلك والى اين يسير ركب الجامعة العربية العاهرة ،الذي يوجه مساره بايدن وبلينكين وغيرهم من الاوباش الذين يرددون في كل مناسبة انهم صهاينة اكثر من الصهاينة انفسهم .