منذ السابع من أكتوبر - تشرين أول الماضي والحكومات العربية في حالة من التخبط بعد افتضاح أمر خيانة معظمها القضية الفلسطينية، وطعنها الفلسطينيون، تلك الخيانة التي تبرر بمواقف سابقة من قوى المقاومة فبين اختلاف الايدلوجيا والجنوح للتطبيع والتبعية الصريحة لأميركا فضلا عن الاستسلام غير المشروط، تطغى حالة العداء، وتظهر مشاهد التحريض الصريح وما تكنه الأنظمة بأذرعها ومؤسساتها السياسية والثقافية والإعلامية والدينية.
المطالبات خجولة وحالة التقاعس والجبن بارزة، فلم نعد نسمع غير بيانات فارغة من قبيل أكد العرب، وقال العرب واستنكر العرب، وأدان مسؤول طلب عدم الكشف عن اسمه لتستمر المهزلة، ويدفع الأبرياء ثمن صفقات أبراهام الأميركية، وتصيهن الحكومات وذيلية الأنظمة، لقد ضُيعت حقوق شعب بأكمله وبِيعَ تاريخه بثمن بخس، ورُمِيت أوراق قضيته في غيابة جب خيانة عميق، فلا أرض عادت، ولا قدس حررت، ولا حرمة حفظت، ولا صرخات استغاثة امرأة فلسطينية حرة أجيبت، ولا حتى بكاء طفل رضيع او جنين هزت وجدان حكام الجور الجبناء، وايقضت بقية من ضمير وحياء كنا نعتقد واهمين إنهم يمتلكون، فنكتشف ونكتشف المزيد من عفونة الشعارات، بل وأكثر من ذلك ما اكتشفنا من فحوى تلك الدعوات الرخيصة لقتل الفلسطينيين.
أساليب التحريض التي شاهدنا ليست جديدة، وكان التبرير لها سابقا طائفي النزعة والميول فسابقا كان الخصم هو حزب الله الذي أخرجه المتسافلون من دائرة الإسلام والإنسانية، وصنفوه عدوا لإسلامهم المتهتك. أما اليوم فالخصم حماس التي حاولوا إخراجها من الملة والدين، ففشلوا ولجأوا لأدوات وأساليب أخرى بين مباشرة بمعاقبة قادتها وشعبها وأخرى غير مباشرة تعطي العدو الصهيوني المشروعية والحق للكيان بما يقال إنه الدفاع عن نفسه، والأكثر من ذلك سيل فتاوى أولئك الأنجاس من الخطباء والمارقين من رجال الدين الوهابي السلطوي، والذين أخذوا يجرمون الشعوب، ويطلقون فتاوى تحريم التعاطف مع ضحايا المجازر، الأدهى والأمر، هو مخالفة النواميس والفطرة الإنسانية بإظهار الغضب تجاه ما يحدث من وحشية والأمر بواقعه وحقيقته هو دعوات لقمع الشعوب فكريا، وهو أشبه بتحذير مبطن تمثله مؤسسة تكفيرية نافذة، حيث يقاد الرعية، ويُحَيَّدُون تحت مظلة طاعة الحاكم أو ولي الأمر الداعر المتجاهر بالعداوة.
إذن نحن. أما مشهد مخيب تطغى فيه الخسة لا مجال فيه للاعتراض على جرائم الصهاينة ولا حتى بإظهار مشاعر الغضب، والفضيحة الأشد والأكثر مرارة، حين ينبري أصحاب الفخامة والسعادة والسمو بدفع أعلامهم لتقديم الخطط والتفاصيل والمعلومات لرفع معنويات للتافهين أمثال أفيخاي أدرعي وإيدي كوهين، ويدعون لهم بالنصر والغلبة وعلو الشأن ويطالبونهم بالصبر؛ لأنهم يعتبرون نصرة التطبيع من أوجب الواجبات، نعم إن قضية الحكومات العربية لم تعد الممانعة، بل الدفاع عن إسرائيل وأمن إسرائيل إزاء حماس الإرهابية، وليس شعب فلسطين، فبات شعب فلسطين هو منظمة حماس والضحية هو كيان المسوخ الذي يمتلك الطائرات والقاذفات والقبب الحديدية والقدرات الصاروخية وجيشا جرارا وقوات احتياط ودعم أميركي وغربي مطلقاً.
معادلتنا بيد حكامنا الأشاوس، وهؤلاء الحكام يعتبرون مجاهدي حماس قتلة وأطفالهم وأسرهم إرهابيين يستوجبون القصاص، والحديث يطول ولا عتاب ينفع ولا غضب يجدي والأحاديث المريرة ليست إلا اجتراراً لواقع لا يمكن تغييره إلا بإزالة الاحتلال السياسي الذي يمثل خط الدفاع عن الصهيونية وإجرامها في بلداننا، من المؤسف الاعتراف بالحقيقة لمواجهة الواقع وتبرير العجز، فلا مكان للشعوب في معادلات من هذا النوع، فما اوقحكم من حكام عملاء وما أتعسنا من شعوب مدجنة لا تستطيع تحريك المياه الأسنة لغسل عار ولاة أمرنا الأوغاد.