وكالة بدر نيوز
٣ ربيع الأول ١٤٤٦ هـ | 08 Sep 2024
نهضة الحسين (ع) مواقف وقِيَم
90 0 2024-07-14

السيد بلال وهبي


“اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ، وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَصْحابِ الْحُسَيْنِ”


لمّا بلغَ الحسينَ (ع) خبر شهادة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، كان ذلك وهو في منزل من منازل الطريق إلى الكوفة يُسَمّى “زَرودُ”، قال: “إِنّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” رحمةُ اللهِ عليهما! وكَرَّرَ ذلك مِراراً.
فقيل له: نُنشِدكَ اللهَ في نفسكَ وأهلِ بيتِكَ، إلَّا انصرَفتَ مِن مكانِكَ هذا، فَإِنَّه ليسَ لكَ بالكوفَةِ ناصِرٌ ولا شيعةٌ، بَلْ نتخَوَّفُ أنْ يكونوا عَليكَ.


فنظرَ إلى بَني عقيلٍ، فقالَ: ما تَرَونَ؟ فقد قُتِلَ مُسلِمٌ. فقالوا: واللهِ لا نَرجِعُ حَتّى نُصيبَ ثَأْرَنا، أوْ نَذوقَ ما ذاقَ.


فقال (ع): لا خَيْرَ في العَيْشِ بَعدَ هَؤُلاءِ.


في هذا النص الذي نقلته من كتاب الإرشاد للشيخ المفيد (رض) وهو نص طويل نسبياً اكتفيت منه بما تقدم، تستوقفنا أربعة مواقف:


المَوقف الأول: إن الحسين (ع) أرسل مسلم بن عقيل ليأخذ له البيعة من أهل الكوفة، وأن يرسل إليه بعد إنجاز مهمته ليلتحق به، ولكنه رغم إخفاق مسلم في مهمته، للأسباب التي ذكرتها في مقالة سابقة، وانتهاء بشهادته المباركة، استمَرَّ الإمام في سيره نحو الكوفة غير عابئ بما حدث، يمضي إلى تكليفه الإلهي الذي كان قد صرَّح به أكثر من مرة، وأهم تلك التصاريح ما جاء في رسالته الموجَزة التي أرسل بها وهو في مكة إلى بني هاشم في المدينة والتي جاء فيها: “مَنْ لِحِقَ بي مِنكُم اسْتُشْهِدَ، ومَنْ تَخَلَّفَ لَمْ يُدْرِكْ الفَتْحَ” فهذا تصريح بالنهاية التي هو صائر إليها وهي الشهادة، وأن الشهادة هي الفتحُ المأمول، فمواصلة طريقه إلى العراق رغم شهادة مسلم هي الخيار ولا خيار سواه، إذ لا يمكنه اختيار التوقف عن متابعة المسير، أو الرجوع إلى مكة أو المدينة، أو الذهاب إلى اليمن أو أي بلد من البلدان، وقد كان رفض هذا الخيار في حواره مع أخيه محمد بن الحنفية.


المَوقف الثاني: موقف بني عقيل أخوة مسلم فهم أيضاً أقسَموا ألَّا يرجعِوا من حيث أتَوا، فلم تُثنِهم شهادة مسلم عن متابعة السَّير مع الحسين (ع) ولم يكن للخوف نافذة إلى قلوبهم، فهم أيضاً طُلاب حق، ولو أدّى ذلك إلى شهادتهم، يذوقون بذلك ما ذاق أخوهم مسلم، ولم يكن موقفهم هذا يتيماً بل كان هو موقف الأصحاب الأبرار الذين خيَّرهم الإمام الحسين (ع) أكثر من مرة، وأبرأ ذمتهم، آخرها كان ليلة العاشر من المحرَّم لكنهم أيضاً أصَرُّوا على الثبات معه والقتال بين يديه والذَّود عنه باعتباره إمامهم وحجة الله عليهم وعلى العباد، وهذا يدل على وَعيهم جميعاً، واتقاد بصيرتهم وشجاعتهم وصدقهم ووفائهم.


الموقف الثالث: استشارة الإمام لهم واستماعه لرأيهم، وتخييرهم، والسِّرُّ في ذلك أن الحسين (ع) كان يريد أن يلتحق بنهضته المؤمنون بها، المستعدون للذهاب بعيداً في التضحية من أجلها، أن يكون التحاقهم بالحسين عن اختيار لا عن إجبار، عن إرادة منهم لا عن إحراج لهم، وهذه ميزة القائد الفَذِ والإمام الحَق.


الموقف الرابع: هو ما صرَّح به الإمام الحسين (ع) بعد استماعه لموقف بني عقيل، حيث قال: “لا خَيْرَ في العَيْشِ بَعْدَ هَؤُلاءِ” هذا الموقف يَنُمُّ عن علاقة الإمام بمن مضى معه، إنها علاقة عاطفية عميقة فضلاً عن كونها علاقة عَقَدية وأخوية ورَحَمِيَّة وصُحبَة، لم تكن علاقته بهم علاقة زعيم بأتباع، ولا علاقة ملك بحاشية، بل كانت علاقة انصهر الجميع فيها حتى صاروا واحداً، هم لا يرون خيراً في حياة ليس فيها الحسين (ع) وهو لا يرى خيراً في حياة ليس فيها هؤلاء.

مقالات ذات صلة
تعليقات