يبدو اننا نواجه شكلا محدثا من اوجه خطاب الكراهية ،ولا ريب ان ما تردده بعض الوجوه الكالحة من اجراء الخارج، لا يخرج عن دائرة الطعن والسب والشتم ومحاولة تزييف التاريخ بأنكار الثابت منه ،كرد فعل على ما يجري من تصحيح واحقاق للحق وانصاف لثقافة الاغلبية ، ولن يفلحوا في ذلك مهما فعلوا لأن دوافعهم ليست الوصول للحقيقة بل ممارسة سلوك عابث ،يدعو للفوضى ،ولعل اغلبهم ممن نتيقن فسادهم وقد يصدق عليهم قوله تعالى " يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم " وبئس السبيل الذي يسلكون ..
هذا الخطاب البائس، الذي جرى ترويجه منذ اقرار مجلس النواب العراقي عيد الغدير عطلة رسمية ، وحتى قبل مناقشة المبررات الموضوعية لهذا التشريع ،وسهام الحاقدين والطائفيين تستهدف ثقافة الاغلبية السكانية في العراق ،ويبدو واضحا للعيان مدى الاستهتار والدونية التي رافقت خطاب المعترضين والمنكرين ، الغريب ان بعضا من اولئك المنحطين الشاذين الداعين للفساد والافساد تطوعوا لمهاجمة المحتفين بعيد الغدير عادين اياه استفزازا لمشاعر شركاء الوطن ،رغم اعلانهم في مناسبات سابقة الدعم والمناصرة ،لدعوات المثلية والشذوذ والاساءة للقرأن الكريم، التي هاجمت الاسلام والمسلمين ،وتعدت على ثوابتهم الاخلاقية،مما يكشف عن اجندات سامة ،بات الترويج لها يأخذ منحا يتسم بالعهر والتجاهر بالعداوة ، فيما حاول البعض التعاطي مع الامر بشكل اخر اكثر قبحا عبر كيل الشتائم والطعن بمن يحييون هذه المناسبة والتعدي على اعراضهم وانتمائهم للوطن ،في سلوك ينافي ما يدعون اليه ،وهو الدفاع عن التاريخ الاسلامي وثوابته كما يزعمون ،متجاهلين ان الغدير واقعة تاريخية ثابتة لامجال للطعن بها وانكارها، اوالالتفاف على حقيقتها الواقعية المثبتة في مصادر جميع المؤرخين المسلمين ،وغالبيتهم من غير مدرسة اهل البيت عليهم السلام .
على صعيد اخر ، رافقت المناسبة ،سلوكيات حملت نوعا من الدعاية الموحية بأن عيد الغدير مناسبة وطنية عراقية ،ولعل حصرها بفئة قليلة لاتكاد تذكر على خريطة الوجود الشيعي كامتدادات جغرافية خارج الاراضي العراقية ، وان ادعى من اطلقها انه يتحدث عن حدث محلي يخص المكون الشيعي في العراق ، باقرار يوم الغدير عطلة رسمية ،ربما من قال بذلك غير مدرك بأن تحجيم المتاسبة بهذا الشكل لا يخلو من اشكال ،وحتى مع عدم القصدية تبدو هذه الدعوات تجهيلا ينبغي التعرض لاسبابه ،فالخلافات السياسية لا يجب ان تمتد لهذه المساحة الاعتقادية ،كما لايجب وضع سياقات تؤسس لمحدودية الفكر الشيعي المرتبط بأصل الرسالة ، فالمحلية والمحدودية تتقاطع مع اصل دعوة النبي صلي الله عليه واله الذي اختار مناسبة تجمع المسلمين كموسم الحج وجمع العائدين من المناسك للتبليغ بولاية علي عليه السلام ،بذلك لا يجوز رفع شعارات تقول بالمحدودية وعراقية عيد الغدير، لان بلدانا كثيرة في العالم الاسلامي تحتفي بالغدير الاغر ،وخطاب الفئة المنتمية للون سياسي او فكري ينبغي ان يأخذ مساحته ضمن عمومية المناسبة لا ان يقيدها به ،وينسبها لجهده ،وحتى دون الايحاء بأنه صاحب الحق باظهارها للعلن ،لان ذلك غير ممكن حتى عراقيا ..
اجمالا احتفاء الاغلبية الشيعية في العراق بهذه المناسبة كان مثاليا كالعادة ،ولم يختلف الامر عن الاحتفاء باي مناسبة ترتبط بتاريخ ال النبي عليه وعليهم الصلاة والسلام ، وربما تسجيل بعض الحالات الفردية غير الواعية لا يقدح مطلقا بحسن التعاطي مع المناسبة ومراعاة الاخرين على مستوى الخطاب العام للجمهور الشيعي ،فالمناسبة اسلامية بامتياز وابناء المذهب الشيعي اكثر المكونات حرصا على وحدة الكلمة والدفاع عن الوطن ولا يمكن ابدا المزايدة على وطنيتهم ،اما انصافهم باقرار هذه المناسبة عطلة رسمية فهو مراعاة لخصوصيتهم وهذا اقل مما نتوقع في جدول الاستحقاقات لان الاقليات حتى تلك التي يعد افرادها ببضعة الاف من المواطنين لديهم عطل رسمية معترف بها وطنيا ولا يجري مناقشتهم مطلقا في تفاصيل طقوسهم وشعائرهم واحتفالاتهم رغم ان بعضها قد يتقاطع مع ثقافات واعتقادات الاخرين من شركاء الوطن ، لذا ننصح تلك الافواه المريضة بالبعد عن كل ما من شأنه اثارة الحساسيات ،وممارسة دور الداعين للفتنة بترويجهم لخطاب الكراهية ،ولهم ولامثالهم نقول " لا ترموا الناس بالحجارة وبيوتكم الوهنة من زجاج " ، اما المحتفين بهذا العيد فلهم نقول جعلنا الله واياكم من المتمسكين بولاية علي عليه السلام ،فهذا ما دعا له محمد صلى الله عليه واله وسلم ،ولن نقبل بأقل من ان نكون له تبعا مخلصين ،مطمئنين بصحة ما دعا له وبلغ به بأمر الله ،والمجال مفتوح امام الجميع لمناقشة التاريخ وماورد فيه بعلمية وعقلانية دون تعصب وعمى ،وكان الله يحب المحسنين ..