وكالة بدر نيوز
١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ | 04 Dec 2024
برامج السخرية بين الترفيه والتأثير: قراءة في برنامج "البشير شو"
22 0 2024-11-29

رياض الفرطوسي


في أحد اللقاءات التي حضرتها مع مجموعة من الشباب العراقي، دار النقاش حول برنامج "البشير شو"، وكان السؤال الأول الموجه لي: "ما رأيك بهذا البرنامج؟" هذا السؤال فتح الباب لنقاش أعمق حول أثر البرامج الساخرة على المجتمع، خاصة في بيئة تعاني من أزمات سياسية واجتماعية معقدة . برنامج "البشير شو" يلامس شريحة كبيرة من الشباب العراقي، إذ يقدّم محتوى يعتمد على السخرية والنكات والطروحات الخفيفة التي تحاكي عواطف المشاهدين.


هذه السخرية غالبا ما تُعبّر عن مشاعر الغضب والإحباط تجاه الوضع السياسي والاجتماعي. ومع ذلك، فإن هذه الثقافة التي يغذيها البرنامج تميل إلى السطحية والاستعراض، مما يجعلها أشبه بـ"ثقافة زقاقية" تعكس بساطة المحتوى أكثر من عمقه . الضحك الذي يقدمه البرنامج يشبه "سعادة المخدر"؛ لحظي وسريع الزوال، ولكنه يفتقر إلى العمق الذي يترك أثراً فكرياً دائمًا. يتعاطى البرنامج مع مشاكل المجتمع بطريقة تجعل المشاهد يتماهى مع الحالة الكوميدية دون التفكير الجاد في جذور المشكلات أو البحث عن حلول لها .


لا شك أن حرية التعبير مكفولة للجميع، لكنها تتطلب احترام الآخر وعدم تجاوز الخطوط الأخلاقية، مثل السخرية من العيوب الخلقية أو الثقافية أو الفكرية. في كثير من الأحيان، يستخدم البرنامج أسلوباً مباشراً وشخصانياً في الهجوم، مما يجعله عرضة للانتقاد. هذا النهج قد يكون مسلياً لكنه يثير تساؤلات حول دوره في تعزيز الوعي أو المساهمة في حل الأزمات . عندما نقارن "البشير شو" ببرامج أخرى، يجب أن نضع في الحسبان تأثيره المستمر وانتشاره الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي.


من حيث الجودة الفنية، يُعدّ البرنامج الأفضل في العراق، رغم أنه لا يزال متوسط المستوى مقارنة بالمعايير العالمية. أما من ناحية التأثير، فإن شعبيته تعكس قوة الفريق الذي يعمل عليه، وتؤكد أهمية العمل الجماعي في تحقيق النجاح الإعلامي .


في النهاية، نحن بحاجة إلى برامج تتجاوز حدود الترفيه إلى التثقيف، برامج تزرع الوعي والنضج الفكري في عقول الشباب، وتدعو إلى التفكير النقدي بدلاً من الاكتفاء بالسخرية.


برامج مثل "البشير شو" قد تملأ فراغاً لحظياً، لكنها لا تسهم بشكل فعال في معالجة القضايا العميقة التي تواجه المجتمع العراقي.


لعل الدرس الأكبر هو أن الإعلام القوي ليس مجرد كلمة أو صورة، بل هو التأثير العميق والنفاذ إلى عقول الناس بطرق تدفعهم للتغيير والتقدم، وليس فقط الضحك على أوجاعهم.

مقالات ذات صلة
تعليقات