فائق يزيدي
ليس بغريب على الكيان الصهيوني أن يرتكب أبشع الجرائم، وأن يضرب بالقوانين والأعراف الدولية عرض الحائط، فتاريخه مليء بالجرائم التي ارتكبها، سواء في فلسطين المحتلة أو لبنان أو سوريا أو غيرها من بلدان المنطقة، لكن اليوم بعد عقود من الصراع مع هذا الكيان في الشرق الأوسط، فإن المعادلة تغيرت بشكل كبير منذ 7 أكتوبر 2023، وباتت المقاومة في المنطقة ندا قويا لهذا الكيان، الذي اعتاد على ارتكاب الجرائم وحسم الحروب لصالحه في مدد قصيرة.
إن شكل المعادلة في المنطقة اليوم وبعد 7 أكتوبر باتت واضحة فلم يعد للكيان الصهيوني ذلك الجبروت وتلك القوة التي كان يتغنى بها وبأنه لا يقهر، بل على العكس في السنة المنصرمة وحتى في السنوات السابقة كان حضور المقاومة، سواء في لبنان أو فلسطين أو حتى العراق قويا في مقارعة هذا الكيان واجرامه، وتمكنت من وضع حد له واجباره على التفكير ألف مرة قبل الاقدام على أي عمل إجرامي، ولم يعد بمقدور الكيان الصهيوني أن يمارس الإرهاب والقتل دون رد كما كان قبل عقود، واليوم هو مدرك بأن هناك قوة تقف أمامه وقادرة على تلقينه الدروس البليغة ووضعه في حجمه الطبيعي.
إن الأوضاع التي يشهدها الكيان اليوم بعد نحو 12 شهرا على بدء حرب 7 اكتوبر وفشله في حسمها ضد المقاومة الفلسطينية، يدفع بمجرم الحرب رئيس وزراء الكيان النتن ياهو إلى توسيع رقعة الحرب للهروب من الضغوطات والاخفاق الداخلي، فهو يحاول أن يحقق مكاسب في الداخل الاسرائيلي ويظهر لجمهوره، أنه قادر على حماية اسرائيل وضمان أمنها وسلامتها، بينما واقع الحال يؤكد عكس ذلك للمواطنين الاسرائيليين، فهناك رهائن اسرائيليون لدى المقاومة، وحكومة النتن ياهو عاجزة عن تحريرهم منذ عدة أشهر، بل إن اللجوء الى الخيار العسكري يزعزع ثقة المواطن الإسرائيلي بهذه الحكومة، وهو ما جعله بعد أكثر من عام من فشل حكومته في تحرير الرهائن إلى الخروج بتظاهرات تندد بسياسات رئيس الحكومة، الذي على ما يبدو يفكر في مصالحه السياسية والانتخابية ليس أكثر، كما أن طول أمد الحرب الفاشلة على محور المقاومة يكلف الكيان مليارات الدولارات، وهو ما يؤثر في المنظور القريب والبعيد على اقتصاد الكيان ويعود تأثير ذلك سلبا على الداخل، وهو ما لا يريده المواطن العادي واليوم يطالب عبر تظاهرات برحيل حكومة النتن ياهو والتوصل لاتفاق مع حركة حماس لتحرير الرهائن، متهمين النتن ياهو بأنه يبحث عن مصالحه السياسية على حساب أبنائهم.
في ظل هذا الاوضاع داخل الكيان الصهيوني والفشل في حسم المعركة في غزة عسكريا، يلجأ النتن ياهو إلى توسيع رقعة الحرب لتمد إلى لبنان، وهذه المرة ليفتح جبهة مع المقاومة، رغم إدراكه أن هناك تاريخا عريضا من الهزائم والفشل على هذه الجبهة، ففي عام 2000 استطاعت المقاومة تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني، وفي 2006 لقنت المقاومة درسا قاسيا للكيان، حيث لم يفلح في حسم المعركة في حرب تموز، كما كان يعتقد ولأكثر من 34 يوما حتى وضعت الحرب أوزارها بالقرار الأممي رقم 1701، وهو كان بمثابة نصر للمقاومة أجبر الكيان على عدم التمادي في لبنان منذ ذلك الحين.
إن العقلية الاجرامية التي يعتنقها النتن ياهو وفريقه دفعته إلى ارتكاب جريمة شنيعة، تمثلت في قصف الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت، مستهدفة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي استشهد في هذا العدوان الصهيوني وليكون استشهاد السيد حسن نصرالله، بمثابة علامة فارقة ونقطة تحول حقيقية في الصراع، حيث ستكون الأيام والاشهر المقبلة حُبلى بالكثير من المفاجآت، التي ستكون بلا شك مؤثرة في اتجاه الحرب بين المقاومة والكيان الصهيوني، فحركات المقاومة بشكل عام والحركات التحررية بشكل خاص، لا تنتهي باستشهاد قادتها، لأنها تسير على نهج وفكر يرسم الطريق لها لمواصلة الكفاح، من أجل تحقيق الأهداف النبيلة، التي تجاهد وتناضل من أجلها، نعم إن استشهاد السيد حسن نصرالله مصاب جلل، لكنه لن يثبط من عزيمة المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وحتى اليمن، بل سيكون دافعا لمحور المقاومة للعمل على تلقين الكيان الصهيوني المزيد من الدروس وتحجيمه، لأنه عبر التاريخ فإن الحق هو الذي ينتصر على الباطل دوما وطالما محور المقاومة يدافع عن حقوق شعوب المنطقة فإن الغلبة له حتما.